إن هذه الكلمات دعوة للإستمتاع بكل شيء قدّره الله علينا، فالإنسان قد يصنع تعاسته بنفسه، وقد يصنع سعادته بنفسه، فبالإيمان والرضا يستطيع أن يصنع سعادته من خلال الإستمتاع الحقيقي بكل شيء أنعم الله به علينا.
ومن هذه النعم الكثيرة نعمة الأبناء التي حرم منها الكثير، فأصبح رتم الحياة اليوم سريعًا، وخضع تعاملنا مع الأبناء لهذا الرتم، فنرى الأب مشغولاً بالعمل ليل نهار، وترى الأم مشغولة بمسئوليتها، ويحاول كلّ منهما تأدية ما عليه من واجبات تجاه الآخر وتجاه الأبناء، ولكن تحت بند سرعة.. مفيش وقت، وأصبحت الحياة روتينيّة، وأصبح كل منا يؤدي واجبه وكأنّه حمل ثقيل حتى في التواصل مع الأبناء في نزهة أو محاورة أو جلسة تعليمية، وعند الإنتهاء منها نشعر بأننا قد إنتهينا من واجب ثقيل قد إنزاح من على أكتافنا.
فنحن إذن الذين حرمنا أنفسنا من المتعة الحقيقية، ومن السعادة الحقيقية في تواصلنا مع أبنائنا، وقصّرنا في تربيتهم.
وقد يغفل الآباء عن حكاية ما قبل النوم وما لها من عظيم الأثر على نفسية الطفل، وما تعمل عليه من تقارب وتعميق العلاقة بين الطفل وأبويه، فإنّ تربية الأبناء والتواصل معهم بالحوار والجلوس واللعب وحتى التوجيه، متعةٌ وإستفادة ليس للأبناء فقط، ولكن للآباء أيضًا، لا يشعر بها من حُرم منها من أب وأم منشغلَيْن بالأعباء فقط.
فسعادة الطفل تكون فائقة وهو بصحبة أبيه وأمه وإستئثاره بهما، وكذلك يجب أن تكون مشاعر الأبوين موجهة تجاه فلذات الأكباد، وذلك عن طريق الإستمتاع بجميع مراحل الأبناء العمرية، والإستمتاع بتربيتهم بحبٍّ وحنان، ورفقة صداقة.. لا رفقة توجيه وتأديب وإنتقاد فقط.
فإن تحول أسلوب الإنتقاد إلى أسلوب توجيه غير مباشر بطريقة حانية لكان أفضل وأيسر للإستجابة، والتواصل ليس بالكلمات المشجعة فقط، ولكن بالمشاركة في اللعب والحوار، مما ينشئ علاقة جيدة وعميقة بين الطفل وأبويه.
هيا بنا نفك القيود عن أبنائنا في حدود ما يرضي الله جل وعلا، فسعادتنا الحقيقية في سلامتهم النفسية والعقلية والبدنية، فلنتركهم يلعبون ويمرحون وحتى يتشاجرون ما لم يؤذِ أحدهم الآخر، ونحمد الله على وجودهم وعلى سلامتهم.
وقد قال أحد الآباء عندما غاب أبناؤه عنه متأسفًا:
أين الضجيج العذب والشغب *** أين التدارس شابه اللعبُ
أين الطفولة في توقدها *** أين الدمى في الأرض والكتبُ
أين التشاكس دونما غرض *** أين التشاكي ما له سبب
أين التباكي والتضاحك في *** وقت معًا والحزن والطرب
أين التسابق في مجاورتي *** شغفًا إذا أكلوا وإن شربوا
يتزاحمون على مجالستي *** والقرب مني حيثما إنقلبوا
أسأل الله عز وجل أن يبارك في جميع أبناء المسلمين، وأن ينبتهم نباتًا حسنًا، وأن يرزق كل محروم، وأن يرزق الجميع الرضا والقناعة والتحلي بالصبر والطاعة.
من جريدة الفتح المصرية، العدد 44.
الكاتب: هبة الشامي.
المصدر: موقع قصة الإسلام.